Wednesday, March 17, 2010

ياطروش "مرثية الأبناء والدعاء عليهم" - عمر العبدلات



ملخص القصة والقصيدة : بأن هذا الشاعر قد تزوج ورزقه الله أولاداَ وأن أمهم قد ماتت وهم صغار ولم يتزوج بإمرأة أخرى حفاظاَ على أولاده من الضياع وأشرف عليهم حتى ترعرعوا وكبروا وتزوجوا وبعدها ترك الأبناء والدهم تبعا ومراعاة لخواطر زوجاتهم اللائ أنفن من خدمته وبالتالي صار كل واحد منهم يطرده من بيته فلجأ الى أحد الكهوف ( المغر ) مما حدى به إلى قول هذه القصيدة التي يدعو بها على أولاده فاستجاب الله تعالى لدعوته ولم ينجبوا ذرية على الرغم من زواجهم المبكرلأكثر من واحدة نتيجة دعاء الوالد عليهم .

هذه القصيدة والتي نذكر أبياتها:

ويا طروش يلي ناحرين المراجيب
واتريضو لي و قصروا من خطاكم
واخذوا كلام الصدق ما به تكاذيب
وياموافقين الخير حنا وياكم
وهديت بيكم رادلن لوادي سلاحيب
ولقيت بصة خامدة في جماكم
وثمان سنين ارطب القلب ترطيب
والتاسعة وانا اترجى حداكم
واجيكم عن الوعر مع تداريب
ومن خوفي يابوي عايل يجهد بلاكم
واسعى مع الخلقان وارافق الذيب
ومن خوف لا ينقص عليكم عشاكم
و عيال ما سرحتكم مع الاجانيب
ولا عالصقعة كليتم غداكم
ويا عيال ما ضربتكم بالمصاليب
ولا سمعت الجيران جظة بكاكم
و احفيت رجلي في سموم اللواهيب
وخليت لحم الريم يخالط عشاكم
وقمت اتعكز فوق عوج المذاريب
وقصرت خطاي يوم طالن خطاكم
ويا عيال اخوالكم مروبين بالطيب
وما تعلموني هالردا منين جاكم
وهبم يا جيل الخنا كلكم عيب
يلي على الوالد كثير لغاكم
وانتم تبعتم صفر العراقيب
ما هن معزة سود الله قراكم
وريت نساكم ما تحبل ولا تجيب
وتقعد بطالة جالسات بلاكم
و عسى قمركم لا يطلع و لا يغيب
والشمس مطليه ويعتم سماكم


يا عيال خوالكم مرويين بالطيب

منذ طفولتي المبكرة كان ينمو في قلبي عشق ملتهب لاشعار البادية. وقد «غدْاه» ابناء عمومتي وهم يرددونه مع اوتار «الربابة» في ايام الصيف وليالي الفرح البهيجة بعد عودتهم من «الجفور والاجفيف» حيث كانوا يعملون في اقامة خط - انابيب - «التابلاين»، وهو الانبوب النفطي العابر للاردن والقادم من العراق ومقصده شواطيء فلسطين.

كانت اشعارهم الصحراوية تحمل رائحة اعشاب البادية شيحها وقيصومها. وكانت رحلتهم الى البادية الشرقية والشمالية وعودتهم محملين بالاشعار البدوية، امتداداً طبيعياً لعبقرية الانسان البدوي وشجاعته وعذاباته وشجونه، فشكلت بهذا الامتداد تواصلاً حضارياً وثقافياً بين ابناء المدن والارياف والبادية وكانت العامة تعتبر الاشعار البدوية ثقافة راقية لابن القرية او المدينة ومن يتقن لهجات البادية فإنه في نظر العامة من نخبة المجتمع، فكيف بالذين يرددون اشعارها مع الربابة. وهكذا فإن الوجهاء من ابناء المدينة يتحدثون بلهجة بدوية، اشارة الى امتلاكهم لثقافة البادية. وكنت «اغبط» ابناء «عمومتي» لانني لم استطع مجاراتهم في هذا الفن الرفيع.

وما زالت في ذاكرتي صورهم البهية وهم يرددون اشعار البادية مثل فرسان القبائل العربية. وكان ابناء «عمومتي» يبالغون ويفاخرون ابناء القبائل الاخرى كونهم رواداً في ترديد شعر البادية وبخاصة انهم «يحنون» الى جذورهم العميقة الممتدة والعائدة الى قبيلة «شمر» العربية في الحجاز.

ولما كان «الشجن» يثير الشجن فإن حنيني هذا ، قد «اشجاني» عندما وجدت على جهاز الراديو في سيارتي شريطاً لقصيدة بدوية يرددها بصوته الجميل العفوي عمر العبداللات عنوانها «يا طروش» وقد اخترت لهذه المقالة عنواناً مقتطفاً من القصيدة «يا عيال خوالكم مرويين بالطيب».

وكان والدي رحمه الله يرددها، وانا ملتصق به طفلاً متعلقاً به في رحلاته الطويلة في ريفنا الاردني. وقد حفظت جزءاً منها عندما كنت بجانبه . كان صوته ابوياً عذباً رقيقاً حنوناً دافئاً وهو يقول: يا طروش يا لللي ناحرين المراجيب... تريضولي واقصروا من خطاكم والطروش هم الرجال الممتطون للجمال وناحرين المراجيب، الذين يشقون طريقهم عبر وادي اسمه المراجيب. وكنت استمع اليه بشغف ولكنني اشعر بوجود الآباء المجروحين. ويحكي لي والدي رحمه الله حكاية هذه القصيدة من باب الحكمة والتربية، هكذا فهمت فيما بعد تقول الرواية بأن رجلاً كريما وشيخاً جليلاً من باديتنا الاردنية، ظلمه ابناؤه وخلفوه وراءهم وتبعوا نساءهم واصبح الوالد في حالة مزرية. وجاء شيوخ من قبيلة بعيده، فوجدوه في هذه الوضعية البائسة بعد ايام العز والفروسية والوفره وراح يردد ابيات هذه القصيدة امامهم.

والقصيدة وان كان الشاعر مجهولاً بالنسبة لي ، فإنها نضير من عيون شعر البادية لتركيبتها ولقوة مفرداتها ولمعانيها وما تتضمنه من وجد ولوعة. والشاعر البدوي هنا وهو صاحب التجربة المرة يقدم لنا لوحة تحمل صوراً واضحه لعلاقة الوالد الطاعن بالسن باولاده الذين هجروه.

لقد ردد الشاعر الاب كلمه يا عيال مخاطباً ابناءه في اكثر من موقع ويصف حياته القديمة عندما يقول:

يا عيال ما سرحتكم على الاجانيب ولا خليت المعلم يلاكم

يا عيال ما ضربتكم بالمصاليب ولا سمعت الجيران جضة بكاكم

واسعى مع الخلقان وارافج الذيب ومن لحم العيد ازود عشاكم

ويردد الشاعر بحزن:

«وقفت اتعكز فوق عوج المزاريب وقصرن خطاي يوم طالن خطاكم.

اي انه عندما تقدم به السن اصبح يتوكأ على عصاة «عوجاء» وقد قصرت خطواته بينما طالت خطوات ابنائه.

ويتساءل الشاعر عن مصدر العيب في اولاده ويقول:

«يا عيال خوالكم مرويين بالطيب ما تعلموني هالردى منين جاكم».

وما دام اخوالهم اصحاب نخوة وفرسان، فهو يستغرب من اين جاءهم هذا الخور والردى. وتتصاعد نقمة الوالد فيقول:

«اهبم يا جيل الخنا كلكم عيب يللي على الوالد كثير بغاكم

وانتم تبعتم صفر العراقيب مهن معزه سوّد الله قراكم».

لقد لحفتم بنسائكم وهن لا يعتز بهن فأنتم عيال - اولاد - من جيل السقوط لانكم لا تحترمون والدكم. وتبلغ الحسرة مداها لدى الوالد رغم حبه القديم لهم عندما يقول:

«وريت نساكم لا تحبل ولا تجيب واطلب من رب السما يقطع ضناكم

وعسى قمركم لا يطلع ولا يغيب والشمس مطفيه ويعتم سماكم».

هذان البيتان ، لم اقرأ في حياتي اشد منهما قسوة في التعبير ولا يقدر على قولهما سوى شخص مجروح مظلوم عندما يدعو الله ان لا تلد زوجاتهم وان يحرمهم الله من البنين وان تظل حياتهم خاوية.

لقد كان والدي رحمه الله يردد هذه القصيدة وقد رددتها امام ولدي الحبيب عمر وهبه الله الشباب وها هو يضعها «خلسة» في مسجل السيارة. ان الايام تدور وتدور فيا ولدي عمر يا فلذه الكبد احبك كما احبني ابي وليحفظك الله ويرعاك ايها «الولد» الغالي.

د. سليمان عربيات